فن

هيبتا 2: محاولة ليست أخيرة لفهم الحب!

أسئلة جديدة يعود صُنّاع «هيبتا 2» بمحاولة جديدة لطرحها حول الحب.. فهل نجحوا في بذل المجهود الكافي لصناعة جزء ثانٍ أقوى من الأول أم اكتفوا بتكرار التجربة؟

future غلاف فيلم «هيبتا 2: المناظرة الأخيرة»

في حضرة الحب

رغم كل ما كُتب، وقيل، وصُنع من محاولات لفهم الحب، إلا أننا ما زلنا عاجزين أمام هذا الشعور المركب. جميعنا نحب، ونُحَبّ، فالحب حاجة إنسانية، وبغضّ النظر عن الطرف الآخر وكنهه في العلاقة.

الحب عزاء الإنسان عن مرارة الواقع المعاش، والحياة مع الحب مختلفة تمامًا، ومهما كان ما نواجهه من صعوبات، إلا أننا في حضرة الحب لا نفقد الأمل أبدًا.

بعد تسع سنوات على صدور «هيبتا: المحاضرة الأخيرة»، يعود صُنّاع العمل بمحاولة جديدة لطرح أسئلة الحب، ذلك الشعور الإنساني الذي لا تكفي الكتب ولا النظريات ولا الأفلام لتفكيكه. فالحب — رغم كل محاولات فهمه — يبقى ملاذًا يخفف قسوة الواقع، ونافذة تُبقي الأمل حاضرًا مهما أثقلت الحياة كاهلنا.

في الجزء الأول «هيبتا: المحاضرة الأخيرة» (2019)، ناقش الفيلم المراحل السبع من خلال محاضرة يلقيها دكتور (شكري)، وهو دكتور متخصص في علم النفس. الفيلم قائم على المحاضرة التي يشرح فيها الدكتور كيف يمر الإنسان بمراحل مختلفة في العلاقات، من خلال نظرية هيبتا (المراحل السبع)، وتتوازى المحاضرة مع أربع حكايات تجسّد لنا هذه المراحل.

حقق الفيلم نجاحًا كبيرًا، ونال إعجاب الجمهور من مختلف الأعمار، مما دفع صُنّاع العمل إلى العودة من جديد في (2025) لتقديم جزء ثانٍ من العمل بعد مرور تسع سنوات كاملة، مما ساهم في رفع التوقعات.

تقوم فكرة الجزء الثاني «هيبتا ٢: المناظرة الأخيرة» على محاضرة تشرح فيها (سارة/ منة شلبي) فكرة برنامجها الجديد AI Love You، والذي يعمل على مساعدة الأشخاص في العثور على الشريك المثالي/المناسب من خلال إقامة علاقة افتراضية مع أفاتار داخل البرنامج لمدة زمنية معينة، تسمح له بفهم الشخصية لاقتراح الشريك المناسب. وخلال المحاضرة التي تلقيها سارة، يقتحم الحديث طرفان من الجمهور ينازعان في فائدة وجدوى البرنامج، وتتحول الاعتراضات الكلامية سريعًا إلى ما يشبه المناظرة الفكرية بين سارة صاحبة التطبيق، وبين أسامة الذي يبدو منزعجًا منه.

تحكي سارة أثناء وقوفها على المسرح، من خلال أربع قصص وتجارب مختلفة (نفس تيمة الجزء الأول)، اكتشافات توصل إليها البرنامج. كل اكتشاف بمثابة حكمة أو «خلاصة» عن العلاقات (كما يحب أن يفعل محمد صادق دائمًا في كتبه وأفلامه).

محور الفيلم

يمكننا القول إن «المقارنة بين الحب الطبيعي التلقائي في زمن ما قبل الذكاء الاصطناعي، والحب المُصنّع تبعًا للخوارزميات في زمن سيطرة الذكاء الاصطناعي» هي محور الفيلم، والمعضلة التي يحاول الفيلم طرحها وتفكيكها.

في القصة الأولى نتابع حكاية (رون/ جيهان الشماشرجي)، فتاة مُقحمة في علاقة زوجية سامة لا تستطيع الفكاك منها، تتعرف على (آدم/ كريم فهمي)، رجل لطيف تسمع صوت عزفه فتصعد أعلى الجبل متتبعة الصوت، ومن هنا يتعرف آدم ورون على بعضهما. آدم هو الآخر مُقحم في علاقة زوجية سامة، ولكنه استطاع الهروب منها بالطلاق.

بعد تبادل أطراف الحوار، يتفقان على شكل العلاقة التي ستكون بينهما، بحيث يكون كل واحد منهما «سيفونًا» للآخر، والمقصود أن يصبح ملجأً ومنجى الآخر في الأزمات، مع التشديد على بعض القواعد، أهمها ألا تنشأ بينهما علاقة عاطفية. وكما هو متوقع، تنشأ بينهما علاقة عاطفية بعد أن أصبح كل واحد جزءًا من يوم الآخر.

أما الحكاية الثانية فتبدأ من ليلة زفاف مي (سلمى أبو ضيف) وعمار (كريم قاسم)، والتي تبدو علاقة حب قوية تُوّجت بالزواج. ولكن لأن الزواج علاقة يصعب فيها التلوّن وارتداء الأقنعة، يفاجئ كلٌّ منهما بالآخر. عمار مُحمّل بعُقَد ونواقص يخرجها في العلاقة بالتحكم والغيرة المبالغ فيها، ومي تحمل ماضيًا معقدًا مع والدها، ومع موت الجنين تطفو العُقَد على السطح، وتتفاقم المشكلات.

وفي الحكاية الثالثة نرى فريدة (مايان السيد)، فتاة شابة في الجامعة تبدو في البداية منزعجة من الاهتمام الزائد الذي يحظى به مصطفى (حسن مالك) من الفتيات الأخريات. ولكن، وكما هو متوقع في القصص التقليدية، تقع فريدة في حب مصطفى، وتنشأ بينهما علاقة جسدية تدفعها إلى استحقار نفسها وإعادة حساباتها، لتفيق من الأحلام الوهمية وتكتشف حقيقة مصطفى، الذي تزدحم حياته بالكثير من الفتيات والعلاقات العابرة.

أما الحكاية الرابعة فهي حكاية سارة نفسها مع نوح، الأفاتار الخاص بها، وتطور ارتباطها به. وكما هو متوقع لمن شاهد الجزء الأول، نكتشف في النهاية أن سارة هي امتداد زمني لكلٍّ من فريدة ورون.

مقومات نجاح الفيلم

في الجزء الثاني يفقد الفيلم كل مقومات النجاح التي ساعدته في الجزء الأول. فالعمل هنا مكتوب للسينما مباشرة، وهو من كتابة الروائي محمد صادق نفسه، صاحب النص الروائي الأول، ولذلك يغيب عن النص اسم من عوامل نجاح الجزء الأول، وهو السيناريست الكبير وائل حمدي.

ووائل حمدي واحد من أمهر كُتّاب السيناريو في مصر، وغيابه عن الجزء الثاني كان مؤثرًا جدًا، حيث جاء السيناريو مترهلًا ومملًا، ولا يحمل أي مفاجأة للمشاهد. وتشعر بأن هناك كسلًا وتهاونًا في الكتابة، رغم الفارق الزمني الكبير بين الجزء الأول والثاني، والذي كان مؤشر خير على أن الكُتّاب أخذوا الوقت المناسب لكتابة جزء ثانٍ يتفوق على الجزء الأول، ولكن الذي حدث أننا أمام محاولة باهتة لاستنساخ الجزء الأول؛ فهناك المراحل السبع، وهنا الاكتشافات السبع، وهناك نهاية تفاجئ المشاهد بأن كل الحكايات في الأساس حكاية واحدة، وهنا نفس الأمر.

يكفي أن نقارن بين اسم الجزء الأول والثاني؛ فبدلًا من «المحاضرة الأخيرة» في الأول جاءت «المناظرة الأخيرة»! بل إذا قارنا بين الأول والثاني، فالأول يتفوق في نواحٍ كثيرة؛ فمن حيث الأداء التمثيلي يتفوق الجزء الأول، رغم وجود ممثلين محترفين في الجزء الثاني، على رأسهم منة شلبي، إلا أن النص لم يكن به مساحة كافية لإبراز أداء تمثيلي قوي.

لم يكن هناك أداء ملفت سوى حكاية سلمى أبو ضيف وكريم قاسم، حيث كانت الشخصيات مكتوبة بعمق، على عكس باقي الشخصيات. منة شلبي لم تُتح لها فرصة تقديم أداء قوي إلا في مشهدين، ومحمد ممدوح أيضًا قدم أداءً مقنعًا رغم المساحة الزمنية الصغيرة للدور.

المؤلف محمد صادق يحمل أفكارًا عصرية وبراقة، إلا أنه حتى الآن لا يملك الحِرفة على صياغتها في سيناريو قوي. فعندما يتعلق الأمر بكتابة سيناريو فيلم، فهذا موضوع آخر مختلف تمامًا عن كتابة الروايات، ومن الجيد أن يبذل مجهودًا أكبر في تعلّم حرفة كتابة السيناريو إذا كان مُصرًّا على كتابة أفلامه بنفسه.

كل شيء هنا متوقع؛ متوقع منذ البداية أن تكون القصص الثلاث امتدادًا لقصة سارة، متوقع أيضًا أن تنشأ علاقة حب بين الرجل والمرأة اللذين اتفقا على أن يكونا أصدقاء فقط، متوقع أيضًا أن تقع الفتاة التي تكون منزعجة في البداية في حب الشاب الذي تستنكر اكتراث الفتيات له.

كل هذا يثبت شيئًا واحدًا، وهو أن صناعة الجزء الثاني لم تكن إلا محاولة لاستغلال نجاح التجربة الأولى دون بذل المجهود الكافي لصناعة فيلم جيد، رغم إصرار الصُنّاع في حديثهم على أنهم كانوا حريصين على تقديم جزء ثانٍ أقوى من الأول؛ فما يهمنا هو ما شاهدناه، وليس العبرة بما يُقال.                                                                                                   

وجود المخرج هادي الباجوري في قيادة هذا المشروع لغز غير مفهوم، فبالرغم من أننا لا يمكن إنكار المجهود المبذول في الإخراج الفني والأماكن وكل ذلك، إلا أن الاهتمام بالصورة وحده ليس كافيًا. قدم المخرج صورة مميزة وشكلًا مختلفًا يتناسب مع كل حكاية، فكانت لكل حكاية صورة مميزة ومتناسبة مع موضوعها، ولكن الاهتمام بالشكل فقط على حساب الموضوع والمضمون أمر غريب على مخرج بحجم هادي الباجوري.

يقدم هادي في أعماله دائمًا شكلًا مميزًا، حقًا، كما في «سفاح الجيزة» و«هيبتا» الجزء الأول وباقي أعماله، ولكن لم تكن هناك تضحية على حساب الموضوع والحكاية نفسها. والاهتمام بالصورة على حساب باقي العناصر خطأ لا يقع فيه سوى المخرجين في تجاربهم الأولى!

# فن # سينما مصرية

عين على السينما: حوار مع الناقد أمير العمري عن النقد السينمائي
فيلم «كان يا ما كان في غزة»: تفكيك أسطورة البطل
لبنان في مرآة الأرشيف :Do You Love Me

فن